يواجه اتفاق السلام الموقع عام 1994 بين المملكة الأردنية الهاشمية وإسرائيل اختبارًا حرجًا، وفق تحليل للكاتب أمير أسمر، مع تصاعد الغضب الشعبي داخل الأردن وتحوله إلى ضغوط على الحكومة لإلغاء الاتفاق التاريخي. وبينما تدافع عمّان علنًا عن المعاهدة في بياناتها الرسمية، فإنها تواجه قلقًا متزايدًا من سلوك إسرائيل خلال حرب غزة وخططها لمستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومع الإعلان عن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تزداد التساؤلات حول شكل الحكم في القطاع بعد الحرب، وتأثير ذلك على علاقات إسرائيل الإقليمية، خصوصًا مع الأردن.

يشير تقرير أتلانتيك كاونسل إلى أن غياب تحوّل استراتيجي واضح في سياسات إسرائيل قد يلحق ضررًا كبيرًا بعلاقاتها السابقة للحرب، خاصة مع عمّان، التي تعدّ المعاهدة أحد أعمدة سياستها الإقليمية. ورغم تمسّك القيادة الأردنية بها، فإن الرأي العام الأردني يعارض بوضوح استمرار العلاقة مع إسرائيل، إذ تظهر استطلاعات أن أغلبية الأردنيين يعتبرونها "الكيان الأكثر تهديدًا لأمن العالم العربي".

كما خرجت مظاهرات ضخمة في عمّان تضامنًا مع غزة، فيما ارتفعت نسبة التأييد لحركة حماس من 44% عام 2020 إلى 85% عام 2023، ما يثير قلق السلطات من اضطرابات محتملة.

أدت مشاهد الدمار في غزة وتهجير سكانها إلى وضع الأردن في موقفٍ حساس. القيادة الأردنية وصفت التهجير القسري للفلسطينيين بأنه "جريمة حرب" و"تهديد للأمن الوطني الأردني". وفي تصريحات لرئيس الوزراء بشر الخصاونة، أكد أن نقل الفلسطينيين خارج أراضيهم خط أحمر ينتهك نصوص معاهدة السلام، خصوصًا تلك التي تحظر التهجير السكاني القسري.

ترى عمّان في المعاهدة إطارًا يوفر لها مكاسب مهمة، منها الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس، والسيادة على أراضٍ كانت موضع نزاع، وحقوق تقاسم المياه في نهري الأردن واليرموك، ودور رسمي في ملفات اللاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى تزويدها بالغاز الطبيعي من إسرائيل. غير أن هذه الامتيازات باتت مهددة بفعل السياسات الإسرائيلية الأخيرة، كالتوسع الاستيطاني وخطط ضم الضفة الغربية، والعنف المستمر ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة.

السلطات الأردنية واجهت الاحتجاجات المتزايدة بتشديد القيود على التظاهر، إذ وثّقت منظمة العفو الدولية اعتقالات واسعة طالت ما لا يقل عن 1500 شخص منذ اندلاع الحرب، بينهم 500 أوقفوا بعد احتجاجات مارس 2024 أمام السفارة الإسرائيلية في عمّان. كما كشفت الحكومة عن إحباط خلية مسلحة كانت تخطط لهجمات داخل المملكة باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ.

في المقابل، حرص الأردن على التعبير عن موقفه السياسي في المحافل الدولية. شارك في اجتماع مشترك بين الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في الدوحة عقب القصف الإسرائيلي للعاصمة القطرية في سبتمبر، حيث دعت الدول المشاركة إلى فرض عقوبات على إسرائيل ومراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها، وهو موقف غير مسبوق في التاريخ الحديث للعلاقات العربية الإسرائيلية.

تعمّق الخلاف أيضًا بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وسوريا، إذ أصدرت عمّان بيانات إدانة متكررة للهجمات على أهداف سورية، ورفضت محاولة إسرائيل اغتيال قيادات من حماس في الدوحة، معتبرة العملية "انتهاكًا صارخًا لسيادة دولة عربية وتصعيدًا خطيرًا وغير مقبول".

يتوقّع أسمر أن أي محاولة إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية أو غزة إلى الأردن ستشكّل نقطة تحوّل قد تُجبر عمّان على اتخاذ إجراءات غير مسبوقة، مثل تعليق المعاهدة أو تجميد التعاون الثنائي. فالأردن لا يملك الموارد الكافية، خصوصًا المائية، لاستيعاب موجات لجوء جديدة، كما أن أي ضغط إضافي على اقتصاده الهش قد يهدد استقراره الداخلي.

يختم الكاتب تحليله بالتأكيد على أن قرارات الأيام المقبلة ستحدّد مستقبل العلاقات الأردنية الإسرائيلية. فإسرائيل، في سعيها لحسم حرب غزة بالقوة العسكرية، تخاطر بفقدان أحد أكثر تحالفاتها الإقليمية استقرارًا. وفي حال تجاوزت خطوط الأردن الحمراء بشأن التهجير أو القدس أو السيادة الفلسطينية، فقد تدخل العلاقات بين الطرفين مرحلة انهيار لا رجعة فيها.
 

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/can-the-jordan-israel-peace-treaty-survive-damage-done-from-the-gaza-war/